سورة يوسف - تفسير تفسير أبي حيان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


ارتعى افتعل من الرعي بمعنى المراعاة وهي الحفظ للشيء، أو من الرعي وهو أكل الحشيش والنبات، يقال: رعت الماشية الكلأ ترعاه رعياً أكلته، والرعي بالكسر الكلأ، ومثله ارتعى. قال الأعشى:
ترتعي السفح فالكثيب فذا ق *** ر فروض القطا فذات الرمال
رتع أقام في خصب وتنعم، ومنه قول الغضبان بن القبعثري: القيد، والمتعة، وقلة الرتعة. وقول الشاعر:
أكفراً بعد رد الموت عني *** وبعد عطائك المائة الرتاعا
الذئب: سبع معروف، وليس في صقعنا الأندلسي، ويجمع على أذؤب وذئاب وذؤبان قال:
وأزور يمطو في بلاد بعيدة *** تعاوى به ذؤبانه وثعالبه
وأرض مذأبة كثيرة الذئاب، وتذاءبت الريح جاءت من هنا ومن هنا، فعل الذئب ومنه الذؤابة من الشعر لكونها تنوس إلى هنا وإلى هنا.
{قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون أرسله معنا غداً يرتع ويلعب وإنا له لحافظون قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون}: لما تقرر في أذهانهم التفريق بين يوسف وأبيه، أعملوا الحيلة على يعقوب وتلطفوا في إخراجه معهم، وذكروا نصحهم له وما في إرساله معهم من انشراح صدره بالارتعاء واللعب، إذ هو مما يشرح الصبيان، وذكروا حفظهم له مما يسوؤه. وفي قولهم: ما لك لا تأمنا، دليل على أنهم تقدم منهم سؤال في أنْ يخرج معهم، وذكروا سبب الأمن وهو النصح أي: لم لا تأمنا عليه وحالتنا هذا؟ والنصح دليل على الأمانة، ولهذا قرنا في قوله: ناصح أمين، وكان قد أحس منهم قبل ما أوجب أنْ لا يأمنهم عليه. ولا تأمنا جملة حالية، وهذا الاستفهام صحبة التعجب.
وقرأ زيد بن علي، وأبو جعفر، والزهري، وعمرو بن عبيد: بإدغام نون تأمن في نون الضمير من غير إشمام ومجيئه بعد مالك، والمعنى: يرشد إلى أنه نفي لا نهي، وليس كقولهم: ما أحسننا في التعجب، لأنه لو أدغم لالتبس بالنفي. وقرأ الجمهور: بالإدغام والإشمام للضم، وعنهم إخفاء الحركة، فلا يكون إدغاماً محضاً. وقرأ ابن هرمز: بضم الميم، فتكون الضمة منقولة إلى الميم من النون الأولى بعد سلب الميم حركتها، وإدغام النون في النون. وقرأ أبي، والحسن، وطلحة بن مصرف، والأعمش: لا تأمننا بالإظهار، وضم النون على الأصل، وخط المصحف بنون واحدة. وقرأ ابن وثاب، وأبو رزين: لا يتمنا على لغة تميم، وسهل الهمزة بعد الكسرة ابن وثاب. وفي لفظة: أرسله، دليل على أنه كان يمسكه ويصحبه دائماً. وانتصب غداً على الظرف، وهو ظرف مستقبل يطلق على اليوم الذي يلي يومك، وعلى الزمن المستقبل من غير تقييد باليوم الذي يلي يومك.
وأصله: غدو، فحذفت لامه وقد جاء تاماً. وقرأ الجمهور: يرتع ويلعب بالياء والجزم، والإبنان وأبو عمر وبالنون والجزم وكسر العين الحرميان، واختلف عن قنبل في إثبات الياء وحذفها. وروي عن ابن كثير: ويلعب بالياء، وهي قراءة جعفر بن محمد. وقرأ العلاء بن سيابة: يرتع بالياء وكسر العين مجزوماً محذوف اللام، ويلعب بالياء وضم الباء خبر مبتدأ محذوف أي: وهو يلعب. وقرأ مجاهد، وقتادة، وابن محيصن: بنون مضمومة من ارتعنا ونلعب بالنون، وكذلك أبو رجاء، إلا أنه بالياء فيهما يرتع ويلعب، والقراءتان على حذف المفعول أي: يرتع المواشي أو غيرها. وقرأ النخعي: نرتع بنون، ويلعب بياء، بإسناد اللعب إلى يوسف وحده لصباه، وجاء كذلك عن أبي إسحاق، ويعقوب. وكل هذه القراآت الفعلان فيها مبنيان للفاعل. وقرأ زيد بن علي: يرتع ويلعب بضم الياءين مبنياً للمفعول، ويخرجها على أنه أضمر المفعول الذي لم يسم فاعله وهو ضمير غد، وكان أصله يرتع فيه ويلعب فيه، ثم حذف واتسع، فعدى الفعل للضمير، فكان التقدير: يرتعه ويلعبه، ثم بناه للمفعول فاستكن الضمير الذي كان منصوباً لكونه ناب عن الفاعل. واللعب هنا هو الاستباق والانتضال، فيدربون بذلك لقتال العدو، سموه لعباً لأنه بصورة اللعب، ولم يكن ذلك للهو بدليل قولهم: إننا ذهبنا نستبق، ولو كان لعب لهو ما أقرهم عليه يعقوب. ومن كسر العين من يرتع فهو يفتعل. قال مجاهد: هي من المراعاة أي: يراعي بعضنا بعضاً ويحرسه. وقال ابن زيد: من رعى الإبل أي يتدرب في الرعي، وحفظ المال، أو من رعى النبات والكلأ، أي: يرتع على حذف مضاف أي: مواشينا. ومن أثبت الياء. فقال ابن عطية: هي قراءة ضعيفة لا تجوز إلا في الشعر كقول الشاعر:
ألم يأتيك والأنباء تنمى *** بما لاقت لبون بني زياد
انتهى. وقيل: تقدير حذف الحركة في الياء لغة، فعلى هذا لا يكون ضرورة. ومن قرأ بسكون العين فالمعنى: نقم في خصب وسعة، ويعنون من الأكل والشرب. وإنا له لحافظون جملة حالية، والعامل فيه الأمر أو الجواب، ولا يكون ذلك من باب الإعمال، لأن الحال لا تضمر، وبأنّ الإعمال لا بد فيه من الإضمار إذا أعمل الأول، ثم اعتذر لهم يعقوب بشيئين: أحدهما: عاجل في الحال، وهو ما يلحقه من الحزن لمفارقته وكان لا يصبر عنه. والثاني: خوفه عليه من الذئب إن غفلوا عنه برعيهم ولعبهم، أو بقلة اهتمامهم بحفظه وعنايتهم، فيأكله ويحزن عليه الحزن المؤبد. وخص الذئب لأنه كان السبع الغالب على قطره، أو لصغر يوسف فخاف عليه هذا السبع الحقير، وكان تنبيهاً على خوفه عليه ما هو أعظم افتراساً. ولحقارة الذئب خصه الربيع بن ضبع الفزاري في كونه يخشاه لما بلغ من السن في قوله:
والذئب أخشاه إن مررت به *** وحدي وأخشى الرياح والمطرا
وكان يعقوب بقوله: وأخاف أن يأكله الذئب لقنهم ما يقولون من العذر إذا جاؤوا وليس معهم يوسف، فلقنوا ذلك وجعلوه عدة للجواب، وتقدّم خلاف القراء في يحزن. وقرأ زيد بن علي، وابن هرمز، وابن محيصن: ليحزني بتشديد النون، والجمهور بالفك. وليحزنني مضارع مستقبل لا حال، لأن المضارع إذا أسند إلى متوقع تخلص للاستقبال، لأنّ ذلك المتوقع مستقبل وهو المسبب لأثره، فمحال أنْ يتقدم الأثر عليه، فالذهاب لم يقع، فالحزن لم يقع. كما قال:
يهولك أن تموت وأنت ملغ *** لما فيه النجاة من العذاب
وقرأ زيد بن علي: تذهبوا به من أذهب رباعياً، ويخرج على زيادة الباء في به، كما خرج بعضهم تنبت بالدهن. في قراءة من ضم التاء وكسر الباء أي: تنبت الدهن وتذهبوه. وقرأ الجمهور: والذئب بالهمز، وهي لغة الحجز. وقرأ الكسائي، وورش، وحمزة: إذا وقف بغير همز. وقال نصر: سمعت أبا عمر ولا يهمز. وعدل إخوة يوسف عن أحد الشيئين وهو حزنه على ذهابهم به لقصر مدة الحزن، وإيهامهم أنهم يرجعون به إليه عن قريب، وعدلوا إلى قضية الذئب وهو السبب الأقوى في منعه أن تذهبوا به، فحلفوا له لئن كان ما خافه من خطفة الذئب أخاهم من بينهم، وحالهم أنهم عشرة رجال بمثلهم تعصب الأمور وتكفي الخطوب. إنهم إذاً لقوم خاسرون أي: هالكون ضعفاء وجوراً وعجزاً، أو مستحقون أن يهلكوا، لأنهم لا غنى عندهم ولا جدوى في حياتهم، أو مستحقون بأن يدعى عليهم بالخسار والدمار، وأن يقال: خسرهم الله ودمرهم حين أكل الذئب بعضهم وهم حاضرون. وقيل: إن لم نقدر على حفظ بعضنا فقد هلكت مواشينا، إذاً وخسرنا. وروي أن يعقوب رأى في منامه كأنه على ذروة جبل، وكان يوسف في بطن الوادي، فإذا عشرة من الذئاب قد احتوشته يردن أكله، فدرأ عنه واحد، ثم انشقت الأرض فتوارى يوسف فيها ثلاثة أيام.


الكذب بالدال المهملة الكدر، وقيل: الطري. سول من السول، ومعناه سهل، وقيل: زين. أدلى الدلو أرسلها ليملأها، ولادها يدلوها جذبها وأخرجها من البئر. قال: لا تعقلوها وادلوها دلواً. والدلو معروف، وهي مؤنثة فتصغر على دليته، وتجمع على أدل ودلاء ودلى. البضاعة: القطعة من المال تجعل للتجارة، من بضعته إذا قطعته، ومنه المبضع.
{فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون وجاؤوا أباهم عشاء يبكون قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقي وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون}: حكي أنهم قالوا ليوسف: اطلب من أبيك أن يبعثك معنا، فأقبل على يوسف فقال: أتحب ذلك؟ قال: نعم. قال يعقوب: إذا كان غداً أذنت لك، فلما أصبح يوسف لبس ثيابه وشد عليه منطقته، وخرج مع أخوته فشيعهم يعقوب وقال: يا بني أوصيكم بتقوى الله وبحبيبي يوسف، ثم أقبل على يوسف وضمه إلى صدره وقبل بين عينيه ثم قال: استودعتك الله رب العالمين، وانصرف. فحملوا يوسف على أكتافهم ما دام يعقوب يراهم، ثم لما غابوا عن عينه طرحوه ليعدوا معهم إضراراً به. وذكر المفسرون أشياء كثيرة تتضمن كيفية إلقائه في غيابة الجب ومجاورته لهم بما يلين الصخر، وهم لا يزدادون إلا قساوة. ولم يتعرض القرآن ولا الحديث الصحيح لشيء منها، فيوقف عليها في كتب التفسير. وبين هذه الجملة والجمل التي قبلها محذوف يدل عليه المعنى تقديره: فأجابهم إلى ما سألوه وأرسل معهم يوسف، فلما ذهبوا به وأجمعوا أي: عزموا واتفقوا على إلقائه في الجب، وأن يجعلوه مفعول أجمعوا، يقال: أجمع الأمر وأزمعه بمعنى العزم عليه، واحتمل أن يكون الجعل هنا بمعنى الإلقاء، وبمعنى التصيير. واختلفوا في جواب لمّا أهو مثبت؟ أو محذوف؟ فمن قال: مثبت، قال: هو قولهم قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق أي: لما كان كيت وكيت، قالوا وهو تخريج حسن. وقيل: هو أوحينا، والواو زائدة، وعلى هذا مذهب الكوفيين يزاد عندهم بعد لما، وحتى إذا. وعلى ذلك خرجوا قوله: فلما أسلما وتله للجيين وناديناه أي: ناديناه وقوله: حتى إذا جاؤوها وفتحت أي: فتحت. وقول امرئ القيس:
فلما أحربا ساحة الحي وانتحى ***
أي: انتحى. ومن قال: هو محذوف، وهو رأي البصريين، فقدره الزمخشري: فعلوا به ما فعلوا من الأذى، وحكى الحكاية الطويلة فيما فعلوا به، وما حاوروه وحاورهم به.
قدره بعضهم: فلما ذهبوا به وأجمعوا أنْ يجعلوه في غيابة الجب عظمت فتنتهم، وقدّره بعضهم جعلوه فيها، وهذا أولى إذ يدل عليه قوله: وأجمعوا أن يجعلوه والظاهر أنّ الضمير في وأوحينا إليه عائد على يوسف، وهو وحي إلهام قاله مجاهد. وروي عن ابن عباس: أو منام. وقال الضحاك وقتادة: نزل عليه جبريل في البئر. وقال الحسن: أعطاه الله النبوة في الجب وكان صغيراً، كما أوحى إلي يحيى وعيسى عليهما السلام، وهو ظاهر أوحينا، ويدل على أنّ الضمير عائد على يوسف قوله لهم قال: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون. وقيل: الضمير في إليه عائد على يعقوب، وإنما أوحي إليه ليأنس في الظلمة من الوحدة، وليبشر بما يؤول إليه أمره، ومعناه: للتخلص مما أنت فيه، ولتحدثن إخوتك بما فعلوا بك. وهم لا يشعرون جملة حالية من قوله: لتنبئنهم بهذا أي: غير عالمين أنك يوسف وقت التنبئة قاله ابن جريج، وذلك لعلو شأنك وعظمة سلطانك، وبعد حالك عن أذهانهم، ولطول العمر المبدل للهيئات والأشكال. وذكر أنهم حين دخلوا عليه ممتارين فعرفهم وهم له منكرون، دعا بالصواغ فوضعه على يده ثم نقره فطن فقال: إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له: يوسف، وكان يدنيه دونكم، وأنكم انطلقتم به وألقيتموه في غيابة الجب وقلتم لأبيكم: أكله الذئب. وبيع بثمن بخس، ويجوز أن يكون وهم لا يشعرون حالاً من قوله: وأوحينا أي: وهم لا يشعرون، قاله قتادة. أي: بإيحائنا إليك وما أخبرناك به من نجاتك وطول عمرك، إلى أن تنبئهم بما فعلوا بك. وقرأ الجمهور لتنبئنهم بتاء الخطاب، وابن عمر بياء الغيبة، وكذا في بعض مصاحف البصرة. وقرأ سلام بالنون.
والذي يظهر من سياق الأخبار والقصص أن يوسف كان صغيراً، فقيل: كان عمره إذ ذاك سبع سنين. وقيل: ست، قاله الضحاك. وأبعد من ذهب إلى أنه اثنتا عشرة سنة، وثمان عشرة سنة، وكلاهما عن الحسن، أو سبع عشرة سنة قاله ابن السائب. ويدل على أنه كان صغيراً بحيث لا يدفع نفسه قوله: وأخاف أن يأكله الذئب ويرتع ويلعب وإنا له لحافظون، وأخذ السيارة له، وقول الوارد: هذا غلام، وقول العزيز: عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً، وما حكى من حملهم إياه واحداً بعد واحد، ومن كلامه لأخيه يهوذا: ارحم ضعفي وعجزي وحداثة سني، وارحم قلب أبيك يعقوب. ومن هو ابن ثمان عشرة سنة لا يخاف عليه من الذئب ولا سيما إن كان في رفقة، ولا يقال فيه: وإنا له لحافظون، لأنه إذ ذاك قادر على التحيل في نجاة نفسه، ولا يسمى غلاماً إلا بمجاز، ولا يقال فيه: أو نتخذه ولداً. وعشاء نصب على الظرف، أو من العشوة.
والعشوة: الظلام، فجمع على فعال مثل راع ورعاء، ويكون انتصابه على الحال كقراءة الحسن عشا على وزن دجى، جمع عاش، حذف منه الهاء كما حذفت في مالك، وأصله مالكة. وعن الحسن عشياً على التصغير. قيل: وإنما جاؤوا عشاء ليكون أقدر على الاعتذار في الظلمة، ولذا قيل: لا تطلب الحاجة بالليل فإنّ الحياء في العينين، ولا تعتذر في النهار من ذنب فتتلجلج في الاعتذار. وفي الكلام حذف تقديره: وجاؤوا أباهم دون يوسف عشاء يبكون، فقال: أين يوسف؟ قالوا: إنا ذهبنا. وروي أن يعقوب لما سمع بكاءهم قال: ما لكم، أجرى في الغنم شيء؟ قالوا: لا. قال: فأين يوسف؟ قالوا: إنا ذهبنا نستبق فأكله الذئب، فبكى، وصاح، وخر مغشياً عليه، فأفاضوا عليه الماء فلم يتحرك، ونادوه فلم يجب، ووضع يهوذا يده على مخارج نفسه فلم يحس بنفسه ولا تحرك له عرق فقال: ويل لنا من ديان يوم الدين الذي ضيعنا أخانا وقتلنا أبانا، فلم يفق لا ببرد السحر. قال الأعمش: لا يصدق باك بعد أخوة يوسف. ونستبق. أي: نترامى بالسهام، أو نتجارى على الأقدام أينا أشد عدواً، أو نستبق في أعمال نتوزعها من سقي ورعي واحتطاب، أو نتصيد. أربعة أقوال. عند متاعنا أي: عند ثيابنا، وما تجردنا له حالة الاستباق، وهذا أيضاً يدل على صغر يوسف، إذ لو كان ابن ثمان عشرة سنة أو سبع عشرة لكان يستبق معهم، فأكله الذئب قد ذكرنا أنهم تلقنوا هذا الجواب من قول أبيهم، وأخاف أن يأكله الذئب، لأن أكل الذئب إياه كان أغلب ما كان خاف عليه. وما أنت بمؤمن لنا أي: بمصدق لنا الآن ولو كنا صادقين. أو لست مصدقاً لنا على كل حال حتى في حالة الصدق، لما غلب عليك من تهمتنا وكراهتنا في يوسف، وإنا نرتاد له الغوائل، ونكيد له المكائد، وأوهموا بقولهم: ولو كنا صادقين أنهم صادقون في أكل الذئب يوسف، فيكون صدقهم مقيداً بهذه النازلة. أو من أهل الصدق والثقة عند يعقوب قبل هذه النازلة، لشدّة محبتك ليوسف، فكيف وأنت سيئ الظن بنا في هذه النازلة، غير واثق بقولنا فيه؟.
روي أنهم أخذوا سخلة أو جدياً فذبحوه، ولطخوا قميص يوسف بدمه، وقالوا: ليعقوب هذا قميص يوسف فأخذه، ولطخ به وجهه وبكى، ثم تأمله فلم ير خرقاً ولا ارتاب، فاستدل بذلك على خلاف ما زعموا وقال لهم: متى كان الذئب حليماً يأكل يوسف ولا يخرق قميصه؟ قيل: كان في قميص يوسف ثلاث آيات، كان دليلاً ليعقوب على أن يوسف لم يأكله الذئب، وألقاه على وجهه فارتد بصيراً، ودليلاً على براءة يوسف حين قدّ من دبر. قال الزمخشري: (فإن قلت): على قميصه ما محله؟ (قلت): محله النصب على الظرف، كأنه قيل: وجاؤوا فوق قميصه بدم كما تقول: جاء على جماله بأحمال.
(فإن قلت): هل يجوز أن يكون حالاً مقدمة؟ (قلت): لا، لأن حال المجرور لا يتقدم عليه انتهى. ولا يساعد المعنى على نصب على على الظرف بمعنى فوق، لأن العامل فيه إذ ذاك جاؤوا، وليس الفوق ظرفاً لهم، بل يستحيل أن يكون ظرفاً لهم. وقال الحوفي: على متعلق بجاؤوا، ولا يصح أيضاً. وأما المثال الذي ذكره الزمخشري وهو جاء على جماله بأحمال فيمكن أن يكون ظرفاً للجائي، لأنه تمكن الظرفية فيه باعتبار تبدله من جمل على جمل، ويكون بأحمال في موضع الحال أي: مصحوباً بأحمال. وقال أبو البقاء: على قميصه في موضع نصب حالاً من الدم، لأن التقدير: جاؤوا بدم كذب على قميصه انتهى. وتقديم الحال على المجرور بالحرف غير الزائد في جوازه خلاف، ومن أجاز استدل على ذلك بأنه موجود في لسان العرب، وأنشد على ذلك شواهد هي مذكورة في علم النحو، والمعنى: يرشد إلى ما قاله أبو البقاء.
وقرأ الجمهور: كذب وصف لدم على سبيل المبالغة، أو على حذف مضاف أي: ذي كذب، لما كان دالاً على الكذب وصف به، وإن كان الكذب صادراً من غيره. وقرأ زيد بن علي: كذباً بالنصب، فاحتمل أن يكون مصدراً في موضع الحال، وأن يكون مفعولاً من أجله. وقرأت عائشة، والحسن: كدب بالدال غير معجمة، وفسر بالكدر، وقيل: الطري، وقيل: اليابس، وقال صاحب اللوامح: ومعناه ذي كذب أي: أثر لأن الكذب هو بياض يخرج في أظافير الشبان ويؤثر فيها، كالنقش، ويسمى ذلك البياض الفوف، فيكون هذا استعارة لتأثيره في القميص، كتأثير ذلك في الأظافير. قال: بل سولت هنا محذوف تقديره: لم يأكله الذئب، بل سولت. قال ابن عباس: أمرتكم أمراً، وقال قتادة: زينت، وقيل: رضيت أمراً أي: صينعاً قبيحاً. وقيل: سهلت. فصبر جميل أي: فأمري صبر جميل، أو فصبر جميل أمثل. وقرأ أبي، والأشهب، وعيسى بن عمر: فصبراً جميلاً بنصبهما، وكذا هي في مصحف أبيّ، ومصحف أنس بن مالك. وروي كذلك عن الكسائي. ونصبه على المصدر الخبري أي: فاصبر صبراً جميلاً. قيل: وهي قراءة ضعيفة عند سيبويه، ولا يصلح النصب في مثل هذا إلا مع الأمر، وكذلك يحسن النصب في قوله:
شكا إلي جملي طول السرى *** صبراً جميلاً فكلانا مبتلي
ويروى صبر جميل في البيت. وإنما تصح قراءة النصب على أنْ يقدر أنّ يعقوب رجع إلى مخاطبة نفسه فكأنه قال: فاصبري يا نفسُ صبراً جميلاً. وفي الحديث: «أن الصبر الجميل أنه الذي لا شكوى فيه» أي: إلى الخلق. ألا ترى إلى قوله: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} وقيل: أتجمل لكم في صبري فلا أعاشركم على كآبة الوجه، وعبوس الجبين، بل على ما كنت عليه معكم.
وقال الثوري: من الصبر أنْ لا تحدث بما يوجعك ولا بمصيبتك ولا تبكي نفسك. والله المستعان أي: المطلوب منه العون على احتمال ما تصفون من هلاك يوسف، والصبر على الرزية. وجاءت سيارة قيل: كانوا من مدين قاصدين إلى مصر، وقيل: في الكلام حذف تقديره: وأقام يوسف في الجب ثلاثة أيام، وكان أخوه يهوذا يأتيه بالطعام خفية من إخوته. وقيل: جاءت السيارة في اليوم الثاني من طرحه في الجب. وقيل: كان التسبيح غذاءه في الجب. قيل: وكانت السيارة تائهة تسير من أرض إلى أرض، وقيل: سيارة في الطريق أخطؤوه فنزلوا قريباً من الجب، وكان في قفرة بعيدة من العمران لم تكن إلا للرعاة، وفيهم مالك بن دعر الخزاعي فأرسلوه ليطلب لهم الماء. والوارد الذي يرد الماء ليستقي للقوم، وإضافة الوارد للضمير كإضافته في قوله: ألقيت كاسبهم. ليست إضافة إلى المفعول، بل المعنى الذي يرد عليهم والذي يكسب لهم. والظاهر أن الوارد واحد. وقال ابن عطية: والوارد هنا يمكن أن يقع على الواحد وعلى جماعة انتهى. وحمل على معنى السيارة في قوله: فأرسلوا، ولو حمل على اللفظ لكان الترتيب فأرسلت واردها. فأدلى دلوه أي: أرسلها ليستقي الماء قال: يا بشراي. في الكلام حذف تقديره: فتعلق يوسف بحبل الدلو، فلما بصر به المدلي قال: يا بشراي. وتعلقه بالحبل يدل على صغره، إذ لو كان ابن ثمانية عشر أو سبعة عشر لم يحمله الحبل غالباً، ولفظه غلام ترجح ذلك، إذ يطلق عليه ما بين الحولين إلى البلوغ حقيقة، وقد يطلق على الرجل الكامل لقول ليلى الأخيلية في الحجاج بو يوسف:
غلام إذا هز القناة سقاها ***
وقوله: يا بشراي هو على سبيل السرور والفرح بيوسف، هذ رأى أحسن ما خلق. وأبعد السدّي في زعمه أنّ بشرى اسم رجل، وأضاف البشرى إلى نفسه فكأنه قال تعالى: فهذا من آونتك. وقرأ يا بشرى بغير إضافة الكوفيون، وروى ورش عن نافع: يا بشراي: بسكون ياء الإضافة، وهو جمع بين ساكنين على غير حدة وتقدم تقرير مثله في {ومحياي} وقرأ أبو الطفيل، والحسن، وابن أبي إسحاق، والجحدري: يا بشرى بقلب الألف ياء وإدغامها في ياء الإضافة، وهي لغة لهذيل. ولناس غيرهم تقدم الكلام عليها في البقرة، في {فمن تبع هداي} قيل: ذهب به الوارد، فلما دنا من أصحابه صاح بذلك، فبشرهم به وأسروه. الظاهر أنّ الضمير للسيارة التي الوارد منهم أي: أخفوه من الرفقة، أو كتموا أمره من وجدانهم له في الجب وقالوا: دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر. وقال ابن عباس: الضمير في وأسروه وشروه لإخوة يوسف، وأنهم قالوا للرفقة: هذا غلام قد أبق لنا فاشتروه منا، وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه، وذلك أنه روي أن بعضهم رجع إلى الجب ليتحققوا أمر يوسف ويقفوا على الحقيقة من فقده، فلما علموا أن الوارد قد أخذوه، جاؤوهم وقالوا تلك المقالة.
وانتصب بضاعة على الحال أي: متجراً لهم ومكسباً. والله عليم بما يعملون أي: لم تخف عليه أسرارهم، وهو وعيد لهم حيث استبضغوا ما ليس لهم، أو والله عليم بعمل أخوة يوسف بأبيهم وأخيهم من سوء الصنع، وفي ذلك أعظم تذكار بما فعلوا بيوسف. قيل: أوحى الله إليه في الجب أن لا يطلع أباه ولا غيره على حاله، لحكمة أراد مضاءها، وظهر بعد ذلك ما جرى له من جعله على خزائن الأرض، وإحواج أخواته إليه، ورفع أبويه على العرش، وما جرى مجرى ذلك مما كان مكنوناً في القدر.


شرى بمعنى باع، وبمعنى اشترى قال يزيد بن مفرع الحميري:
وشريت برداً ليتني *** من بعد برد كنت هامه
أي بعت برداً، وبرد غلامه. وقال الآخر:
ولو أن هذا الموت يقبل فدية *** شريت أبا زيد بما ملكت يدي
أي اشتريت أبا زيد. والظاهر أن الضمير في وشروه عائد على السيارة، أي: وباعوا يوسف. ومن قال: إن الضمير في وأسروه عائد على إخوة يوسف جعله عائداً عليهم أي: باعوا أخاهم يوسف بثمن بخس. وبخس مصدر وصف به بمعنى مبخوس. وقال مقاتل: زيف ناقص العيار. وقال عكرمة: والشعبي: قليل. وهو معنى لزمخشري: ناقص عن القيمة نقصاً ظاهراً. وقال ابن قتيبة: البخس الخسيس الذي بخس به البائع. وقال قتادة: بخس ظلم، لأنهم ظلموه في بيعه. وقال ابن عباس وقتادة أيضاً في آخرين: بخس حرام. وقال ابن عطاء: إنما جعله بخساً لأنه عوض نفس شريفة لا تقابل بعوض وإن جل انتهى. وذلك أن الذين باعوه إن كانوا الواردة فإنهم لم يعطوا به ثمناً، فما أخذوا فيه ربح كله وإن كانوا إخوته، فالمقصود خلو وجه أبيهم منه لا ثمنه. ودراهم بدل من ثمن، فلم يبيعوه بدنانير. ومعدودة إشارة إلى القلة، وكانت عادتهم أنهم لا يزنون إلا ما بلغ أوقية وهي أربعون درهماً، لأنّ الكثيرة يعسر فيها العد، بخلاف القليلة. قال عكرمة في رواية عن ابن عباس وابن إسحاق: أربعون درهماً. وقيل: ثلاثون درهماً، ونعلام وحلة. وقال السدي: كانت اثنين وعشرين درهماً، كذا نقله الزمخشري عنه، ونقله ابن عطية عن مجاهد: أخذها إخوته درهمين درهمين، وصاحب التحرير عنه، وعن ابن عباس. وقال ابن مسعود وابن عباس في رواية، وعكرمة في رواية، ونوف الشامي، ووهب، والشعبي، وعطية، والسدي، ومقاتل في آخرين: عشرون درهماً. وعن ابن عباس أيضاً: عشرون، وحلة، ونعلان. وقيل: ثمانية عشر درهماً اشتروا بها أخفافاً ونعالاً. وقيل: عشرة دراهم، والظاهر عود الضمير في فيه إلى يوسف أي: لم يعلموا مكانه من الله تعالى قاله: الضحاك، وابن جريج. وقيل: يعود على الثمن، وزهدهم فيه لرداءة الثمن، أو لقصد إبعاد يوسف لا الثمن. وهذا إذا كان الضمير في وشروه وكانوا عائداً على إخوة يوسف، فأما إذا كان عائداً على السيارة فزهدهم فيه لكونهم ارتابوا فيه، أو لوصف إخوته له بالخيانة والإباق، أو لعلمهم أنه حر. وقال الزمخشري: من الزاهدين، ممن يرغب عما في يده فيبيعه بما طف من الثمن، لأنهم التقطوه، والملتقط للشيء متهاون به لا يبالي بما باعه، ولأنه يخاف أن يعرض له مستحق فينزعه من يده فيبيعه من أول مساوم بأوكس الثمن. ويجوز أن يكون معنى وشروه اشتروه، يعني الرفقة من أخوته.
وكانوا فيه من الزاهدين لأنهم اعتقدوا فيه أنه آبق، فخافوا أن يخاطروا بمالهم فيه. ويروى أنّ أخوته اتبعوهم يقولون: استوثقوا منه لا يأبق انتهى. وفيه تقدم نظيره في {إني لكما لمن الناصحين} وأنه خرج تعلق الجار إما باعني مضمره، أو بمحذوف يدل عليه من الزاهدين. أي: وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين، أو بالزاهدين لأنه يتسامح في الجار والظرف. فجوز فيهما ما لا يجوز في غيرهما.
وقال الذي اشتراه من مصر: ذكروا أقوالاً متعارضة فيمن اشتراه، وفي الثمن الذي اشتراه به، ولا يتوقف تفسير كتاب الله على تلك الأقوال المتعارضة. فقيل: اشتراه رجل من العماليق وقد آمن بيوسف، ومات في حياة يوسف. قيل: وهو إذ ذاك الملك بمصر، واسمه الريان بن الوليد بن بروان بن أراشه بن فاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح، فملك بعده قابوس بن مصعب بن تمر بن السلواس بن فاران بن عمرو المذكور في نسب الريان، فدعاه يوسف إلى الإيمان فأبى، فاشتراه العزيز وهو ابن سبع عشرة سنة، وأقام في منزله ثلاث عشرة سنة، واستوزره الريان بن الوليد وهو ابن ثلاثين سنة، وآتاه الله الحكمة والعلم وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة. وقيل: كان الملك في أيامه فرعون موسى عاش أربعمائة سنة، بدليل قوله: {ولقد جاءكم موسى من قبل بالبينات} وقيل: فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف، وقيل: عرض في السوق وكان أجمل الناس، فوقعت فيه مزايدة حتى بلغ ثمناً عظيماً. فقيل: وزنه من ذهب ومن فضة ومن حرير، فاشتراه العزيز وهو كان صاحب الملك وخازنه، واسم الملك الريان بن الوليد. وقيل: مصعب بن الريان، وهو أحد الفراعنة، واسم العزيز قطفير، قاله ابن عباس، وقيل: اطفير، وقيل: قنطور، واسم امرأته راعيل، وقيل: زليخا. قال ابن عطية: وظاهر أمر العزيز أنه كان كافراً، ويدل على ذلك كون الصنم في بيته حسبما يذكر. وقال مجاهد: كان مسلماً، واسم امرأة العزيز راعيل بنت رعاييل. وقال السدي: العزيز هو الملك، واسم امرأته زليخا بنت تمليخا، ومثواه مكان إقامته وهو كناية عن الإحسان إليه في مأكل ومشرب وملبس. ولام لامرأته تتعلق بقال فهي للتبليغ، نحو قلت لك: لا باشتراه عسى أن ينفعنا، لعله إذا تدرب وراض الأمور وعرف مجاريها نستعين به على بعض ما نحن بصدده، فينفعنا بكفايته، أو نتبناه ونقيمه مقام الولد، وكان قطفير عقيماً لا يولد له، فتفرس فيه الرشد فقال ذلك. وكذلك أي: مثل ذلك التمكين من قلب العزيز حتى عطف عليه، وأمر امرأته بإكرام مثواه. مكنا ليوسف في الأرض أي: أرض مصر يتصرف فيها بأمره ونهيه، أي: حكمناه فيها. ولام ولنعلمه متعلقة بمحذوف، إما قبله لتملكه ولنعلمه، وإما بعده أي ولنعلمه من تأويل الأحاديث كان ذلك الإنجاء والتمكين، أو الواو مقحمة أي: مكنا ليوسف في الأرض لنعلمه وكل مقول.
والأحاديث: الرّؤيا، قاله مجاهد. وقيل: أحاديث الأنبياء والأمم. والضمير في على أمره الظاهر عوده على الله قاله ابن جبير، لا يمنع عما يشاء ولا ينازع فيما يريد، ويقضي. أو على يوسف قاله الطبري، أي: يديره ولا يكله إلى غيره. قد أراد إخوته به ما أرادوا، ولم يكن إلا ما أراد الله ودبره، وأكثر الناس المنفى عنهم العلم هم الكفار قاله ابن عطية. وقال الزمخشري: لا يعملون أن الأمر بيد الله، وقيل: المراد بالأكثر الجميع أي: لا يطلعون على غيبه. وقيل: المراد بأكثر الناس أهل مصر، وقيل: أهل مكة. والأشد عند سيبويه جمع واحد شدة، وأشد كنعمة وأنعم. وقال الكسائي: شد وأشد نحو صك وأصك، وقال الشاعر:
عهدي به شد النهار كأنما *** خضب البنان ورأسه بالعظلم
وزعم أبو عبيدة أنه لا واحد له من لفظه عند العرب والأشد بلوغ الحلم قاله: الشعبي، وربيعة، وزيد بن أسلم، أو سبعة عشر عاماً إلى نحو الأربعين قاله الزجاج، أو ثمانية عشر إلى ستين أو ثمانية عشر قاله عكرمة، ورواه أبو صالح عن ابن عباس، أو عشرون قاله الضحاك، أو إحدى وعشرون سنة أو ثلاثون أو ثلاثة وثلاثون قاله مجاهد وقتادة. ورواه ابن جبير عن ابن عباس، أو ثمان وثلاثون حكاه ابن قتيبة، أو أربعون قاله الحسن. وسئل الفاضل النحوي مهذب الدين محمد بن علي بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الخيمي عن الأشد فقال: هو خمس وثلاثون، وتمامه أربعون. وقيل: أقصاه اثنان وستون. والحلم الحكم، والعلم النبوّة. وقيل: الحكم بين الناس، والعلم: الفقه في الدين. وهذا أشبه لمجيء قصة المراودة بعد هذه القصة، وكذلك أي: مثل ذلك الجزاء لمن صبر ورضي بالمقادير نجزي المحسنين. وفيه تنبيه على أن يوسف كان محسناً في عنفوان شبابه فآتاه الله الحكم والعلم جزاء على إحسانه. وعن الحسن: من أحسن عبادة الله في شبيبته آتاه الله الحكمة في اكتهاله. وقال ابن عباس: المحسنين المهتدين، وقال الضحاك: الصابرين على النوائب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8